فصل: فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُفْسِدُ الْقُنُوتَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ مَا يُفْسِدُ الْقُنُوتَ:

وَأَمَّا بَيَانُ مَا يُفْسِدُهُ، وَبَيَانُ حُكْمِهِ إذَا فَسَدَ أَوْ فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ.
أَمَّا مَا يُفْسِدُهُ وَحُكْمُهُ إذَا فَسَدَ فَمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ، وَإِذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ يَقْضِي عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقَاوِيلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.فَصْلٌ: في صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ:

(وَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ) فَالْكَلَامُ فِيهَا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ: فِي بَيَانِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ أَمْ سُنَّةٌ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ وُجُوبِهَا وَجَوَازِهَا، وَفِي بَيَانِ وَقْتِ أَدَائِهَا، وَفِي بَيَانِ قَدْرِهَا وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهَا، وَفِي بَيَانِ مَا يُفْسِدُهَا، وَفِي بَيَانِ حُكْمِهَا إذَا فَسَدَتْ أَوْ فَاتَتْ عَنْ وَقْتِهَا، وَفِي بَيَانِ مَا يُسْتَحَبُّ فِي يَوْمِ الْعِيدِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ نَصَّ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَقَالَ وَتَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ كَمَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَجِبُ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يُصَلَّى التَّطَوُّعُ بِالْجَمَاعَةِ مَا خَلَا قِيَامَ رَمَضَانَ وَكُسُوفَ الشَّمْسِ، وَصَلَاةُ الْعِيدِ تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً وَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً لَاسْتَثْنَاهَا كَمَا اسْتَثْنَى التَّرَاوِيحَ وَصَلَاةَ الْكُسُوفِ وَسَمَّاهُ سُنَّةً فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْعِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَهَذَا اخْتِلَافٌ مِنْ حَيْثُ الْعِبَارَةُ فَتَأْوِيلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ أَمْ هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ السُّنَّةِ لَا يَنْفِي الْوُجُوبَ بَعْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِهَا، وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الضَّرِيرُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ.
وَجْهُ قَوْلِهِ أَنَّهَا بَدَلُ صَلَاةِ الضُّحَى وَتِلْكَ سُنَّةٌ فَكَذَا هَذِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ، وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ صَلِّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ الْجَزُورَ، وَمُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} قِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ؛ وَلِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً فَرُبَّمَا اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى تَرْكِهَا فَيَفُوتُ مَا هُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَكَانَتْ وَاجِبَةً صِيَانَةً لِمَا هُوَ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْفَوْتِ.

.فَصْلٌ: شَرَائِطُ وُجُوبِ وَجَوَازِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ:

وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِهَا وَجَوَازِهَا فَكُلُّ مَا هُوَ شَرْطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَجَوَازِهَا فَهُوَ شَرْطُ وُجُوبِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَجَوَازِهَا مِنْ الْإِمَامِ وَالْمِصْرِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْوَقْتِ إلَّا الْخُطْبَةَ فَإِنَّهَا سُنَّةٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ.
وَلَوْ تَرْكَهَا جَازَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ.
أَمَّا الْإِمَامُ فَشَرْطٌ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرْنَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَكَذَا الْمِصْرُ لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ وَلَا فِطْرَ وَلَا أَضْحَى إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ نَفْسَ الْفِطْرِ وَنَفْسَ الْأَضْحَى وَنَفْسَ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُوجَدُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بَلْ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ؛ وَلِأَنَّهَا مَا ثَبَتَتْ بِالتَّوَارُثِ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إلَّا فِي الْأَمْصَارِ، وَيَجُوزُ أَدَاؤُهَا فِي مَوْضِعَيْنِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْجُمُعَةِ، وَالْجَمَاعَةُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهَا مَا أُدِّيَتْ إلَّا بِجَمَاعَةٍ وَالْوَقْتُ شَرْطٌ فَإِنَّهَا لَا تُؤَدَّى إلَّا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِهِ جَرَى التَّوَارُثُ، وَكَذَا الذُّكُورَةُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَصِحَّةُ الْبَدَنِ، وَالْإِقَامَةُ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِهَا كَمَا هِيَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ حَتَّى لَا تَجِبَ عَلَى النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْعَبِيدِ بِدُونِ إذْنِ مَوَالِيهِمْ وَالزَّمْنَى وَالْمَرْضَى وَالْمُسَافِرِينَ، كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرْنَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَعْذَارَ لَمَّا أَثَّرَتْ فِي إسْقَاطِ الْفَرْضِ فَلَأَنْ تُؤَثِّرَ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ أَوْلَى، وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَمْنَعَ عَبْدَهُ عَنْ حُضُورِ الْعِيدَيْنِ كَمَا لَهُ مَنْعُهُ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ لِمَا ذَكَرْنَا هُنَاكَ.
وَأَمَّا النِّسْوَةُ فَهَلْ يُرَخَّصُ لَهُنَّ أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ؟ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَخَّصُ لِلشَّوَابِّ مِنْهُنَّ الْخُرُوجُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَشَيْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وَالْأَمْرُ بِالْقَرَارِ نَهْيٌ عَنْ الِانْتِقَالِ وَلِأَنَّ خُرُوجَهُنَّ سَبَبُ الْفِتْنَةِ بِلَا شَكٍّ، وَالْفِتْنَةُ حَرَامٌ، وَمَا أَدَّى إلَى الْحَرَامِ فَهُوَ حَرَامٌ.
وَأَمَّا الْعَجَائِزُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالْعِيدَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْجُمُعَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُرَخَّصُ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يُرَخَّصُ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ.
وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْمَنْعَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ بِسَبَبِ خُرُوجِهِنَّ، وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعَجَائِزِ وَلِهَذَا أَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ خُرُوجَهُنَّ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتُ انْتِشَارِ الْفُسَّاقِ فِي الْمَحَالِّ وَالطُّرُقَاتِ فَرُبَّمَا يَقَعُ مَنْ صَدَقَتْ رَغْبَتُهُ فِي النِّسَاءِ فِي الْفِتْنَةِ بِسَبَبِهِنَّ أَوْ يَقَعْنَ هُنَّ فِي الْفِتْنَةِ لِبَقَاءِ رَغْبَتِهِنَّ فِي الرِّجَالِ وَإِنْ كَبِرْنَ، فَأَمَّا فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَالْهَوَاءُ مُظْلِمٌ وَالظُّلْمَةُ تَحُولُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ نَظَرِ الرِّجَالِ، وَكَذَا الْفُسَّاقُ لَا يَكُونُونَ فِي الطَّرَقَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ، وَفِي الْأَعْيَادِ وَإِنْ كَانَ تَكْثُرُ الْفُسَّاقُ تَكْثُرُ الصُّلَحَاءُ أَيْضًا فَتَمْنَعُ هَيْبَةُ الصُّلَحَاءِ أَوْ الْعُلَمَاءِ إيَّاهُمَا عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْمَأْثَمِ، وَالْجُمُعَةُ فِي الْمِصْرِ فَرُبَّمَا تَصْدِمُ أَوْ تُصْدَمُ لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَفِي ذَلِكَ فِتْنَةٌ.
وَأَمَّا صَلَاةُ الْعِيدِ فَإِنَّهَا تُؤَدَّى فِي الْجَبَّانَةِ فَيُمْكِنُهَا أَنْ تَعْتَزِلَ نَاحِيَةً عَنْ الرِّجَالِ كَيْ لَا تُصْدَمَ فَرَخَّصَ لَهُنَّ الْخُرُوجَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ فِي الرُّخْصَةِ وَالْإِبَاحَةِ فَأَمَّا لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يَخْرُجْنَ فِي صَلَاةٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي دَارِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي دَارِهَا، وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا» ثُمَّ إذَا رُخِّصَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ هَلْ يُصَلِّينَ؟ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُصَلِّينَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْخُرُوجِ هُوَ الصَّلَاةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلِيَخْرُجْنَ إذَا خَرَجْنَ تَفِلَاتٍ أَيْ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ»، وَرَوَى الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّينَ الْعِيدَ مَعَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهُنَّ لِتَكْثِيرِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «كُنَّ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ذَوَاتُ الْخُدُورِ وَالْحُيَّضُ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي فَعُلِمَ أَنَّ خُرُوجَهُنَّ كَانَ لِتَكْثِيرِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ فِي زَمَانِنَا.
وَأَمَّا الْعَبْدُ إذَا حَضَرَ مَعَ مَوْلَاهُ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةَ لِيَحْفَظَ دَابَّتَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ رِضَاهُ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُخِلُّ بِحَقِّ مَوْلَاهُ فِي إمْسَاكِ دَابَّتِهِ.
وَأَمَّا الْخُطْبَةُ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ وَشَرْطُ الشَّيْءِ يَكُونُ سَابِقًا عَلَيْهِ أَوْ مُقَارِنًا لَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا تُؤَدَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَانُوا يَبْدَءُونَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ» وَكَذَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَبَدَءُوا بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَلَمْ يُؤَذِّنُوا وَلَمْ يُقِيمُوا» وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِتَعْلِيمِ مَا يَجِبُ إقَامَتُهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَالْوَعْظِ وَالتَّكْبِيرِ فَكَانَ التَّأْخِيرُ أَوْلَى لِيَكُونَ الِامْتِثَالُ أَقْرَبَ إلَى زَمَانِ التَّعْلِيمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ مَا رُوِيَ: «أَنَّ مَرْوَانَ لَمَّا خَطَبَ الْعِيدَ قَبْلَ الصَّلَاةِ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ أَخْرَجْتَ الْمِنْبَرَ يَا مَرْوَانُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَطَبْتَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَرْوَانُ ذَاكَ شَيْءٌ قَدْ تُرِكَ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَمَا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» أَيْ أَقَلُّ شَرَائِعِ الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا أَحْدَثَ بَنُو أُمَيَّةَ الْخُطْبَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي خُطْبَتِهِمْ بِمَا لَا يَحِلُّ وَكَانَ النَّاسُ لَا يَجْلِسُونَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِسَمَاعِهَا فَأَحْدَثُوهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ لِيَسْمَعَهَا النَّاسُ، فَإِنْ خَطَبَ أَوَّلًا ثُمَّ صَلَّى أَجْزَأَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْخُطْبَةَ أَصْلًا أَجْزَأَهُمْ فَهَذَا أَوْلَى.
وَكَيْفِيَّةُ الْخُطْبَةِ فِي الْعِيدَيْنِ كَهِيَ فِي الْجُمُعَةِ فَيَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةً خَفِيفَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ وَيَسْتَمِعُ لَهَا الْقَوْمُ وَيُنْصِتُوا لِأَنَّهُ يُعَلِّمُهُمْ الشَّرَائِعَ وَيَعِظُهُمْ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ إذَا اسْتَمَعُوا، وَلَيْسَ فِي الْعِيدَيْنِ أَذَانٌ وَلَا إقَامَةٌ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «صَلَّيْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ» وَهَكَذَا جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلِأَنَّهُمَا شَرْعًا عَلَمًا عَلَى الْمَكْتُوبَةِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِمَكْتُوبَةٍ.

.فَصْلٌ: بَيَانُ وَقْتِ أَدَاءِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ:

وَأَمَّا بَيَانُ وَقْتِ أَدَائِهَا فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ: مِنْ حِينِ تَبْيَضُّ الشَّمْسُ إلَى أَنْ تَزُولَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قَدْرِ رُمْحٍ، أَوْ رُمْحَيْنِ وَرُوِيَ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ.
وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّأْخِيرِ مَعْنًى؛ وَلِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ فِي الْأُمَّةِ فَيَجِبُ اتِّبَاعَهُمْ، فَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ سَقَطَتْ أَصْلًا سَوَاءٌ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
وَأَمَّا فِي عِيدِ الْأَضْحَى فَإِنْ تَرَكَهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ صَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ غَيْرَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَلْحَقُهُ الْإِسَاءَةُ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ لَا تَلْحَقُهُ الْإِسَاءَةُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا تُؤَدَّى إلَّا فِي يَوْمِ عِيدٍ؛ لِأَنَّهَا عُرِفَتْ بِالْعِيدِ فَيُقَالُ صَلَاةٌ لِعِيدٍ، إلَّا أَنَّا جَوَّزْنَا الْأَدَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي عِيدِ الْفِطْرِ بِالنَّصِّ الَّذِي رَوَيْنَا وَالنَّصِّ الَّذِي وَرَدَ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ فَبَقِيَ مَا رَوَاهُ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الْأَدَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى اسْتِدْلَالًا بِالْأُضْحِيَّةِ فَإِنَّهَا جَائِزَةٌ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَكَذَا صَلَاةُ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةَ فَتَتَقَيَّدُ بِأَيَّامِهَا وَأَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ ثَلَاثَةٌ، وَيَمْضِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِلنَّحْرِ خَاصَّةً، وَالْيَوْمُ الثَّالِثَ عَشَرَ لِلتَّشْرِيقِ خَاصَّةً، وَالْيَوْمَانِ فِيمَا بَيْنَهُمَا لِلنَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ جَمِيعًا.

.فَصْلٌ: بَيَانُ قَدْرِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ:

وَأَمَّا بَيَانُ قَدْرِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَكَيْفِيَّةِ أَدَائِهَا فَنَقُولُ: يُصَلِّي الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ: فَيُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ، ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يَأْتِي بِالثَّنَاءِ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ كَاسْمِهِ وُضِعَ لِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فَكَانَ مَحِلُّهُ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَتَعَوَّذُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُؤَخِّرُ التَّعَوُّذَ عَنْ التَّكْبِيرَاتِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعَوُّذَ سُنَّةُ الِافْتِتَاحِ، أَوْ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا، وَيَرْكَعُ بِالرَّابِعَةِ فَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ عِنْدَنَا يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ: سِتَّةٌ مِنْ الزَّوَائِدِ وَثَلَاثَةٌ أَصْلِيَّاتٌ: تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، وَتَكْبِيرَتَا الرُّكُوعِ وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ فَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ وَفِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَتَكُونُ الزَّوَائِدُ تِسْعًا: خَمْسٌ فِي الْأُولَى وَأَرْبَعٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَثَلَاثٌ أَصْلِيَّاتٌ، وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُكَبِّرُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الثَّانِيَةِ سِوَى الْأَصْلِيَّاتِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرَاتِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا مِثْلَ قَوْلِ أَصْحَابِنَا.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَقَالَ: فِي الْفِطْرِ يُكَبِّرُ إحْدَى عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: ثَلَاثٌ أَصْلِيَّاتٌ وَثَمَانٍ زَوَائِدُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الْأَضْحَى يُكَبِّرُ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ: ثَلَاثٌ أَصْلِيَّاتٌ وَتَكْبِيرَتَانِ زَائِدَتَانِ، وَعِنْدَهُ يُقَدِّمُ الْقِرَاءَةَ عَلَى التَّكْبِيرَاتِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رُوِيَ عَنْهُ كَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَّهُ شَاذٌّ، وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً: ثَلَاثٌ أَصْلِيَّاتٌ وَعَشْرَةٌ زَوَائِدُ، فِي كُلِّ رَكْعَةٍ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يُكَبِّرُ اثْنَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّهُ لَا يُقَدِّمُ الْقِرَاءَةَ عَلَى التَّكْبِيرَاتِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا؛ وَالْمُخْتَارُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا مَذْهَبُ ابْنِ مَسْعُودٍ لِاجْتِمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ أَتَاهُمْ فَقَالَ غَدًا الْعِيدُ فَكَيْفَ تَأْمُرُونِي أَنْ أَفْعَلَ فَقَالُوا لِابْنِ مَسْعُودٍ عَلِّمْهُ فَعَلَّمَهُ هَذِهِ الصِّفَةَ وَوَافَقُوهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَقِيلَ: إنَّهُ مُخْتَارُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَلِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرَاتِ بِدْعَةٌ فِي الْأَصْلِ فَبِقَدْرِ مَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ لَمْ تَبْقَ بِدْعَةً بِيَقِينٍ، وَمَا دَخَلَ تَحْتَ الِاخْتِلَافِ كَانَ تَوَهُّمَ الْبِدْعَةِ، وَإِنَّمَا الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ أَوْلَى وَأَحْوَطُ، إلَّا أَنَّ بِرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ ظَهَرَ الْعَمَلُ بِأَكْثَرِ بِلَادِنَا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي بَنِي الْعَبَّاسِ فَيَأْمُرُونَ عُمَّالَهُمْ بِالْعَمَلِ بِمَذْهَبِ جَدِّهِمْ، وَبَيَانُ هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْأَصْلِ.
مِقْدَارَ الْفَصْلِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ قَدْرَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَحَكَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ».
وَلِأَنَّهَا سُنَّةٌ فَتَلْتَحِقُ بِجِنْسِهَا وَهُوَ تَكْبِيرَتَا الرُّكُوعِ، وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَتِهَا تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ»؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ إعْلَامُ الْأَصَمِّ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالرَّفْعِ فَيَرْفَعُ كَتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَاتِ الْقُنُوتِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْتَى بِهِمَا فِي حَالِ الِانْتِقَالِ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِالرُّؤْيَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى رَفْعِ الْيَدِ لِلْإِعْلَامِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةِ الْمَكْتُوبَةِ.
وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَيَّ سُورَةٍ شَاءَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى}، وَ{هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ}» فَإِنْ تَبَرَّكَ بِالِاقْتِدَاءِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ فَحَسَنٌ، لَكِنْ يُكْرَهُ أَنْ يَتَّحِدَ بِهِمَا حَتْمًا لَا يُقْرَأُ فِيهَا غَيْرُهُمَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْجُمُعَةِ، وَبِجَهْرِ الْقِرَاءَةِ كَذَا وَرَدَ النَّقْلُ الْمُسْتَفِيضُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَهْرِ بِهِ، وَبِهِ جَرَى التَّوَارُثُ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا.
ثُمَّ الْمُقْتَدِي يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي التَّكْبِيرَاتِ عَلَى رَأْيِهِ، وَإِنْ كَبَّرَ أَكْثَرَ مَنْ تِسْعٍ مَا لَمْ يُكَبِّرْ تَكْبِيرًا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِإِمَامِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ وَتَرْكُ رَأْيِهِ بِرَأْيِ الْإِمَامِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا» وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعْ إمَامَك عَلَى أَيِّ حَالٍ وَجَدْته» مَا لَمْ يَظْهَرْ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ كَانَ اتِّبَاعُهُ وَاجِبًا وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ، فَأَمَّا إذَا خَرَجَ عَنْ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ ظَهَرَ خَطَؤُهُ بِيَقِينٍ فَلَا يَجِبُ اتِّبَاعُهُ إذْ لَا مُتَابَعَةَ فِي الْخَطَإِ وَلِهَذَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَرَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ، أَوْ بِمَنْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ، أَوْ بِمَنْ يَرَى خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا يُتَابِعُهُ لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَنْسُوخٌ، ثُمَّ إلَى كَمْ يُتَابِعُهُ؟ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ قَالَ عَامَّتُهُمْ: إنَّهُ يُتَابِعُهُ إلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، ثُمَّ يَسْكُتُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُتَابِعُهُ إلَى سِتَّةَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَعَلَّ هَذَا الْقَائِلَ ذَهَبَ إلَى ابْنَ عَبَّاسٍ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً الزَّوَائِدَ، فَإِذَا ضَمَمْت إلَيْهَا تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَتَيْ الرُّكُوعِ صَارَتْ سِتَّ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً لَكِنْ هَذَا إذَا كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْإِمَامِ يَسْمَعُ التَّكْبِيرَاتِ مِنْهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ يَبْعُدُ مِنْهُ يَسْمَعُ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ يَأْتِي بِجَمِيعِ مَا يَسْمَعُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ لِجَوَازِ أَنَّ الْغَلَطَ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ، فَلَوْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهَا رُبَّمَا كَانَ الْمَتْرُوكُ مَا أَتَى بِهِ الْإِمَامُ، وَالْمَأْتِيُّ بِهِ مَا أَخْطَأَ فِيهِ الْمُكَبِّرُونَ فَيُتَابِعُهُمْ لِيَتَأَدَّى مَا يَأْتِيه الْإِمَامُ بِيَقِينٍ وَلِهَذَا قِيلَ إذَا كَانَ الْمُقْتَدِي يَبْعُدُ مِنْ الْإِمَامِ يَسْمَعُ مِنْ الْمُكَبِّرِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِكُلٍّ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ لِجَوَازِ أَنَّ مَا سَمِعَ قَبْلَ هَذِهِ كَانَ غَلَطًا مِنْ الْمُنَادِي، وَإِنَّمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ لِلِافْتِتَاحِ الْآنَ.
وَلَوْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَجَاءَ رَجُلٌ وَاقْتَدَى بِهِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ يُتَابِعُ الْإِمَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَيَتْرُكُ رَأْيَهُ؛ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ مَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الزَّوَائِدَ وَشَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ وَيَأْتِي بِالزَّوَائِدِ بِرَأْيِ نَفْسِهِ لَا بِرَأْيِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ وَإِنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرُّكُوعِ مَعَ الْإِمَامِ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ قَائِمًا وَيَأْتِي بِالزَّوَائِدِ، ثُمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ، وَإِنْ كَانَ الِاشْتِغَالُ بِقَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ الْمُصَلِّي قَبْلَ الْفَرَاغِ بِمَا أَدْرَكَهُ مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَثْبُتُ فِيمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَائِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ، فَأَمَّا مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَضَائِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ النَّسْخُ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ تَابَعَ الْإِمَامَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ، أَوْ لَا يَأْتِي بِهَا، فَإِنْ كَانَ لَا يَأْتِي بِهَا فَهَذَا تَفْوِيتُ الْوَاجِبِ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي بِهَا فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ فِيمَا هُوَ مَحَلٌّ لَهُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ فِيهِ تَفْوِيتُهُ عَنْ مَحِلِّهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَدَاءَ الْوَاجِبِ فِيمَا هُوَ مَحِلٌّ لَهُ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ تَفْوِيتِهِ رَأْسًا، وَإِنْ خَافَ إنْ كَبَّرَ يَرْفَعُ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ وَكَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَرَكَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْكَعْ يَفُوتُهُ الرُّكُوعُ فَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ بِفَوْتِهِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ التَّكْبِيرَاتِ أَيْضًا فَاتَتْهُ فَيَصِيرُ بِتَحْصِيلِ التَّكْبِيرَاتِ مُفَوِّتًا لَهَا وَلِغَيْرِهَا مِنْ أَرْكَانِ الرَّكْعَةِ وَهَذَا لَا يَجُوزُ، ثُمَّ إذَا رَكَعَ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ فِي الرُّكُوعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ عَنْ مَحِلِّهَا وَهُوَ الْقِيَامُ فَيَسْقُطُ كَالْقُنُوتِ، وَلَهُمَا أَنَّ لِلرُّكُوعِ حُكْمُ الْقِيَامِ أَلَا تَرَى أَنَّ مُدْرِكَهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ فَكَانَ مَحِلُّهَا قَائِمًا فَيَأْتِي بِهَا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ، بِخِلَافِ الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْقِرَاءَةِ فَكَانَ مَحِلُّهُ الْقِيَامَ الْمَحْضَ، وَقَدْ فَاتَ ثُمَّ إنْ أَمْكَنَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّكْبِيرَاتِ دُونَ التَّسْبِيحَاتِ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَاتِ وَاجِبَةٌ وَالتَّسْبِيحَاتِ سُنَّةٌ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْوَاجِبِ أَوْلَى، فَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهَا رَفَعَ رَأْسَهُ؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ مَحِلُّهَا.
وَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَتَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ فَإِنَّهُ يَعُودُ وَيُكَبِّرُ، وَقَدْ انْتَقَضَ رُكُوعُهُ وَلَا يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ فَرْقٌ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي حَيْثُ أَمَرَ الْإِمَامَ بِالْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَدَاءِ التَّكْبِيرَاتِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمَرَ الْمُقْتَدِيَ بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَحِلَّ التَّكْبِيرَاتِ فِي الْأَصْلِ الْقِيَامُ الْمَحْضُ، وَإِنَّمَا أَلْحَقْنَا حَالَةَ الرُّكُوعِ بِالْقِيَامِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَمْ تَتَحَقَّقْ فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَبَقِيَ مَحِلُّهَا الْقِيَامُ الْمَحْضُ فَأُمِرَ بِالْعَوْدِ إلَيْهِ، ثُمَّ مِنْ ضَرُورَةِ الْعَوْدِ إلَى الْقِيَامِ ارْتِفَاضُ الرُّكُوعِ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ الْفَاتِحَةَ فِي الرُّكُوعِ أَنَّهُ يَعُودُ وَيَقْرَأُ وَيَرْتَفِضُ رُكُوعُهُ كَذَا هاهنا وَلَا يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّهَا تَمَّتْ بِالْفَرَاغِ عَنْهَا، وَالرُّكْنُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالِانْتِقَالُ عَنْهُ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنَّقْضِ وَالْإِبْطَالِ فَبَقِيَتْ عَلَى مَا تَمَّتْ، هَذَا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ، فَأَمَّا إنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ الْفَرَاغِ عَنْهَا بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ دُونَ السُّورَةِ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَيَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَ بِالْقِرَاءَةِ قَبْلَ أَوَانِهَا فَيَتْرُكُهَا وَيَأْتِي بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ لِيَكُونَ الْمَحِلُّ مَحِلًّا لَهُ ثُمَّ يُعِيدُ الْقِرَاءَةَ لِأَنَّ الرُّكْنَ مَتَى تُرِكَ قَبْلَ تَمَامِهِ يُنْتَقَضُ مِنْ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي نَفْسِهِ، وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْحُكْمِ فَوُجُودُهُ مُعْتَبَرٌ بِوُجُودِ الْجُزْءِ الَّذِي بِهِ تَمَامُهُ فِي الْحُكْمِ، وَنَظِيرُهُ مَنْ تَذَكَّرَ سَجْدَةً فِي الرُّكُوعِ خَرَّ لَهَا وَيُعِيدُ الرُّكُوعَ؛ لِمَا مَرَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ لِلِافْتِتَاحِ، وَتَابَعَ إمَامَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَتْبَعُ فِيهَا رَأْيَ إمَامِهِ؛ لِمَا قُلْنَا فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ صَلَاتِهِ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سُبِقَ بِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ رَأْيُهُ يُخَالِفُ رَأْيَ الْإِمَامِ يَتْبَعُ رَأْيَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ فِيمَا يَقْضِي، بِخِلَافِ اللَّاحِقِ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ خَلْفُ الْإِمَامِ، وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ مُوَافِقًا لِرَأْيِ إمَامِهِ بِأَنْ كَانَ إمَامُهُ يَرَى رَأْيَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ كَذَلِكَ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ، ثُمَّ بِالتَّكْبِيرَاتِ كَذَا ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ وَالزِّيَادَاتِ وَفِي نَوَادِرِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ، وَقَالَ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ يَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ ثُمَّ بِالْقِرَاءَةِ وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا يَقْضِي الْمَسْبُوقُ آخِرَ صَلَاتِهِ، وَعِنْدَنَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَمَا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَعِنْدَنَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يُكَبِّرُ، ثُمَّ يَقْرَأُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، بَلْ فِيهَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ وَجْهُ رِوَايَةِ وَالنَّوَادِرِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْضِي مَا فَاتَهُ فَيَقْضِيهِ كَمَا فَاتَهُ، وَقَدْ فَاتَهُ عَلَى وَجْهٍ يُقَدِّمُ التَّكْبِيرَ فِيهِ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَيَقْضِيهِ كَذَلِكَ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ: أَنَّ الْمَقْضِيَّ وَإِنْ كَانَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ حَقِيقَةً وَلَكِنَّهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ صُورَةً وَفِيمَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ قَرَأَ، ثُمَّ كَبَّرَ؛ لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ الْإِمَامِ فَلَوْ قَدَّمَ هاهنا مَا يَقْضِي أَدَّى ذَلِكَ إلَى الْمُوَالَاةِ بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ، وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَا يَفْعَلُ كَذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ بِصُورَةِ هَذَا الْفِعْلِ.
وَلَوْ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ لَكَانَ فِيهِ تَقْدِيمُ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، لَكِنْ هَذَا مَذْهَبُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ بِمَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِمَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ إذْ هُوَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ.